الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
ثم في يوم الثلاثاء سادس عشره خلع السلطان على جماعة من الأمراء خلع الآنظار المتعلقة بالوظائف المقدم ذكرها. ثم في يوم الأربعاء سابع عشره وصل الأمير دولات باي المحمودي الدوادار من سجن الإسكندرية. ووقع في خروج دولات باي المذكور ومجيئه من ثغر الإسكندرية غريبة فيها عبرة لمن اعتبر وهو أن الأمراء الذين قبض عليهم الملك الأشرف إينال هذا كان غالبهم هو الذي حسن للمنصور القبض على دولات باي هذا وسجنه بثغر الإسكندرية فلما أمسكهم الملك الأشرف وسيرهم إلى الثغر رسم بإطلاق دولات باي من السجن فتوافوا خارج الإسكندرية وقد أفرج عن دولات باي ورسم بحبسهم عوضه فانظر إلى هذا الدهر وأفعاله بالمغرمين به لتعلم أن الله على كل شيء قدير. وفي يوم الخميس ثامن عشره أنعم السلطان على الأمير يونس العلائي نائب الإسكندرية بإقطاع الأمير جانبك اليشبكي الوالي ثم الزردكاش بعد وفاته وأنعم بإقطاع يونس المذكور على قاني باي إلاعمش الذي استقر عوضًا عن يونس في نيابة القلعة. وفي يوم الجمعة تاسع عشره أفرج السلطان عن الأمير زين الدين يحيى الأستادار من محبسه بالبرج من قلعة الجبل وخلع عليه كاملية بمقلب سمور ونزل إلى داره. وفي يوم السبت العشرين من ربيع الأول المذكور استقر نوكار الناصري الحاجب الثاني زردكاشًا بعد موت جانبك اليشبكي واستقر سمام الحسني الظاهري حاجبًا ثانيًا عوضًا عن نوكار. وفي هذه الأيام
حتى تجاوز عدد رؤوس النوب على خمسة وعشرين نفرًا والدوادارية صاروا عشرة نفر بعدما كانوا خمسة وكذلك البجمقدارية والبوابون وقس على ذلك. ثم قبض السلطان على نيف وثلاثين مملوكًا من مماليك الظاهرية وحبسوا بالبرج من القلعة وكان نفى قبل تاريخه جماعة أخر وشيع شاهين الفقيه الظاهري وهو ممن لا يلتفت إليه وسنقر أستادار الصحبة كلاهما إلى القدس الشريف. ثم أخرج أيضًا يشبك الظاهري وكان تأمر في الدولة المنصورية عشرة ويشبك الساقي وسنطباي رأس نوبة الجمدارية إلى طرابلس ثم أخرج بعدهم أيضًا جماعة أخر. وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه استقر الأمير زين الدين يحيى أستادارًا على عادته أولًا بعد عزل الأمير جانبك نائب جدة عنها برغبة من جانبك المذكور. وفيه وصل إلاميل يرشباي الإينالي المؤيدي الأمير آخور الثاني كان والأمير يلباي الإينالي المؤيدي من ثغر دمياط بطلب من السلطان. وفي يوم الخميس خامس عشرينه وصل الأمير سودون الإينالي المؤيدي قراقاش من القدس الشريف بطلب. ثم في يوم الثلاثاء سلخ ربيع الأول ظهر الأمير أسنباي الجمالي الظاهري الدوادار الثاني كان وكان مختفيًا من يوم ملك السلطان باب السلسلة فرسم له بالتوجه إلى القدس بطالًا. وفي يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر وصل الأمير جانم الأمير آخور كان قريب الملك الأشرف برسباي من حبس قلعة صفد وخلع السلطان عليه كاملية مخمل أخضر بمقلب سمور ووعده بكل جميل نذكر ذلك في تاريخنا الحوادث مفصلًا هذا وغيره لكونه محل ضبط الحوادث وما نذكره هنا ليس هو إلا على سبيل إلاستطراد والأمور المهمة لا غير وأما جميع الوقائع ففي الحوادث تطلب هناك انتهى. وفي يوم الجمعة أول جمادى الأولى قبض السلطان على الأمير قراجا الخازندار الظاهري وهو يومئذ حاجب الحجاب وحبسه بالبحرة من قلعة الجبل من غير أمر أوجب مسكه وإنما هى مندوحة لأخذ إقطاعه. وفي يوم السبت ثاني جمادى الأولى أنعم السلطان بإقطاع قراجا المذكور وهو إمرة مائة وتقدمة ألف على الأمير جانم الأمير آخور الأشرفي وخلع على الأمير جانبك القرماني باستقراره حاجب الحجاب عوضًا عن قراجا المذكور ورسم السلطان بتوجه قراجا إلى القدس بطالًا فسافر يوم الاثنين رابعه. وفي يوم الثلاثاء خامسه قرىء تقليد السلطان الملك الأشرف إينال بالقصر الكبير من قلعة الجبل وحضر الخليفة والقضاة الأربعة وجلس السلطان على الأرض من غير كرسي على مرتبة وجلس على يمينه الخليفة القائم بأمر الله حمزة ثم جلست القضاة الأربعة كل واحد في منزلته وقرأ القاضي محب الدين ابن الأشقر كاتب السر التقليد إلى أن تمت قراءته فخلع عليه السلطان وعلى الخليفة وانفض الموكب. وفي يوم الجمعة ثامنه عقد السلطان عقد الأمير يونس إلاقبائي الدوادار الكبير على ابنته بجامع القلعة بحضرة السلطان. وفي يوم السبت تاسع جمادى الأولى خلع السلطان على الشيخ عز الدين أحمد الحنبلي باستقراره قاضي قضاة الحنابلة بالديار المصرية بعد وفاة قاضي القضاة بدرالدين بن عبد المنعم. وفيه رسم السلطان أن يحط عن البلاد بالوجه القبلي والبحري وسائر الأعمال ربع ما كان يطرح علمهم قبل ذلك في أيام الظاهرجقمق من إلاطرون وسر الناس بذلك وتباشروا بزوال الظلم وإزالة المظالم. وفي يوم الأحد سابع عشره ورد الخبر على السلطان بقتل الأمير بن سونجبغا اليونسي الظاهري جقمق وتغري بردي القلاوي المعزول عن الوزر قبل تاريخه: قتل الواحد الآخر ثم قتل الآخر في الوقت ذكرنا أمرهما مفضلًا في تاريخنا الحوادث فأنعم السلطان بإقطاع تغري بردي القلاوي على الأمير يرشباي الإينالي المؤيدى وأنعم على الأمير يلباي الإينالي المؤيدي بإقطاع سونجبغا وكان إقطاعه قديمًا قبل أن يمسك وأنعم بإقطاع عبد الله الكاشف على سودون الإينالي المؤيدي قراقاش وأنعم على تنم الحسيني وعلى قلمطاي الإسحاقي الأشرفيين بإقطاع يلبغا الجاركسي بحكم تعطله ولزومه داره لكل واحد منهما إمرة عشرة. وفي يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة أنعم السلطان على خيربك إلاجرود المؤيدي أتابك دمشق كان بعد قدومه من السجن بإقطاع دولات باي المحمودي الموادار كان بعد موته وإلاقطاع إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية. وكان دولات باي الدوادار أخذ هذا إلاقطاع بعد موت أرنبغا وأرنبغا أخذه بعد قاني باي الجاركسي كل ذلك في دون ثلاثة أشهر. وفي يوم الأربعاء خامس جمادى الآخرة ورد الخبر من الشام بموت قانصوه النوروزي أحد أمراء دمشق فأنعم السلطان بتقدمته على الأمير قاني بك المحمودي المؤيدي وكان قاني بك بطالًا بدمشق. ثم في يوم الاثنين سادس عشر شهر رجب أدير المحمل على العادة ولعبت الرماحة وكان الملك الظاهر جقمق أبطل ذلك فأعاده الملك الأشرف هذا وسر الناس بعمله غاية السرور. وفي يوم الخميس تاسع عشر رجب المذكور ندب السلطان الأمير قانم طاز الأشرفي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بنقل الأمراء المسجونين من ثغر الإسكندرية إلى حبوس البلاد الشامية فتوجه إليهم ونقل الجميع ما خلا الأميرين تنم المؤيدي أمير سلاح وقاني باي الجاركسي فإنهما داما في سجن الإسكندرية. وفي يوم السبت رابع شهر رمضان استقر الزيني فرج بن ماجد بن النحال كاتب المماليك السلطانية وزيرًا بعد تسحب الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم. وفي يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان المذكور ورد الخبر على السلطان بموت الأمير بيغوت الأعرج المؤيدي نائب صفد فرسم السلطان بانتقال الأمير إياس المحمدي الناصري أتابك طرابلس إلى نيابة صفد دفعة واحدة وحمل إليه التقليد والتشريف على يد الأمير خشكلدي القوامي الناصري أحد أمراء العشرات واستقر حطط الناصري المعزول قبل تاريخه عن نيابة غزة أتابك طرابلس عوضًا عن إياس المذكور وأنعم بإقطاع حطط إمرة عشرين بطرابلس على جانبك المحمودي المؤيدي وكان بطالًا بطرابلس. ثم استهل شوال يوم الجمعة فصلى السلطان صلاة العيد بجامع القلعة الناصري على العادة ثم صلى من يومه أيضًا الجمعة بالجامع المذكور فكان في هذا اليوم خطبتان في يوم واحد وكثر كلام الناس في هذا الأمر فلم يقع إلا كل جميل من سائر الجهات وصار كلام الناس من جملة الهذيان وأنت تعلم مقدار ما أقام الأشرف بعد ذلك في الملك. ثم في يوم الاثنين حادي عشر شوال المذكور خلع السلطان على الأمير جانبك الظاهري المعزول قبل تاريخه عن الأستادارية باستقراره في التكلم على بندر جدة بعد أن أنعم عليه بزيادة على إقطاعه وجعله من جملة أمراء الطبلخانات بالديار المصرية. ثم رسم بنفي الأمير بردبك التاجي الأشرفي الذي كان تكلم على بندر جدة في السنة الماضية إلى القدس بطالًا وأخرج السلطان إمرة بردبك المذكور إلى جكم الأشرفي خال الملك العزيز يوسف وإلاقطاع إمرة عشرة. وفي يوم الاثنين ثامن عشر شوال المذكور تسحب الأمير زين الدين الأستادار واختفى مما حمل للديوان السلطاني من الكلف. وبلغ السلطان ذلك فأرسل السلطان خلف علي بن الأهناسي البردرار بخدمة زين الدين المذكور وهو يومذاك أستادار المقام الشهابي أحمد بن السلطان واستقر به أستادارًا عوضًا عن زين الدين دفعة واحدة. وعلم السلطان أن عليًا هذا ليس هو في هذه الرتبة ولا في أهلية لأن يكون من جملة كتاب ديوان المفرد فتكلم في الملأ بكلام معناه أن السلطان إذا أقام كائنًا من كان من أقل الناس في أي وظيفة شاء وكان للسلطان به عناية سد تلك الوظيفة على أحسن الوجوه فسكت كل أحد لعلمهم أن السلطان يعلم حاله كما يعلمونه هم واختاره لهذه الرتبة. ثم في يوم السبت ثالث عشرين شوال ورد إلى الديار المصرية قاصد خوندكار محمد بك بن مراد بن عثمان متملك بلاد الروم لتهنئة السلطان بالملك وأيضًا يخبره بما من الله عليه من فتح مدينة إسطنبول وقد أخذها عنوة بعد قتال عظيم في يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة بعدما أقاموا على حصارها من يوم الجمعة سادس عشرين شهر ربيع الأول من هذه السنة أعني سنة سبع وخمسين المذكورة إلى أن أخذها في التاريخ المقدم ذكره. قلت: ولله الحمد والمنة على هذا الفتح العظيم. وجاء القاصد المذكور ومعه أسيران من عظماء إسطنبول وطلع بهما إلى السلطان وهما من أهل قسطنطينية وهي الكنيسة العظمى بإسطنبول فسر السلطان والناس قاطبة بهذا الفتح العظيم سرورًا زائدًا ودقت البشائر لذلك وزينت القاهرة بسبب ذلك أيامًا. ثم طلع القاصد المذكور وبين يديه إلاسيران المذكوران إلى القلعة في يوم الاثنين خامس عشرين شوال بعد أن اجتاز القاصد المذكور ورفقته بشوارع القاهرة وقد احتفلت الناس بزينة الحوانيت وإلاماكن وأمعنوا في ذلك إلى الغاية وعمل السلطان الخدمة بالحوش السلطاني من قلعة الجبل. وقد استوعبنا طلوع القاصد المذكور في غير هذا المحل من مصنفاتنا من هذا. وبالجملة فكان لمجيء هذا القاصد بهذه البشارة الحسنة أمر كبير وعين السلطان من يومه الأمير يرشباي الإينالي المؤيدي الأمير آخور الثاني كان بالتوجه إلى ابن عثمان صحبة القاصد بالجواب السلطاني وقد كتبنا صورة الكتاب الذي جاء من ابن عثمان على يد القاصد المذكور بفتح مدينة إسطنبول والجواب الذي أرسله السلطان صحبة يرشباي هذا كلاهما مثبوت في تاريخنا حوادث الدهور إذ هو حل ضبط هذه الأمور انتهى. ثم رسم السلطان بالمناداة على زين الذين يحيى الأستادار وتهديد من أخفاه عنده بالشنق والتنكيل ووعد من أحضره بألف دينار إن كان متعممًا وبإقطاع إن كان جنديًا. ثم في يوم الاثنين ثالث ذي القعدة استقر القاضي محب الدين ابن الشحنة الحنفي كاتب سر مصر بعد عزل القاضي محب الدين بن الأشقر على مال بذله وهو مبلغ أربعة إلاف دينار. ثم في يوم الاثنين ثاني ذي الحجة خلع السلطان على الأمير جانبك النوروزي نائب بعلبك باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل يونس العلائي وقدومه إلى القاهرة من جملة أمراء الطبلخانات. ثم في يوم الثلاثاء رابع عشرين ذي الحجة ظهر الأمير زين الدين الأستادار من اختفائه وطلع إلى القلعة وعلى رأسه منديل الأمان صحبة عظيم الدولة الصاحب جمال الدين بن كاتب جكم وكان هو الساعي لزين الدين في رضاء السلطان عليه. وقبل زين الدين الأرض بين يدي السلطان فرسم له السلطان أن يلزم داره ولا يجتمع بأحد ولا يكاتب أحدًا من أعيان الدولة. وفرغت سنة سبع وخمسين وما ذكرناه فيها إنما هو على سبيل إلاختصار علم خبرلا غير. واستهلت سنة ثمان وخمسين وثمانمائة. وأول السنة يوم الثلاثاء فأحببت أن أذكر في أول هذه السنة أسماء أعيان أرباب الوظائف من الأعيان والأمراء والقضاة والمباشرين ليعلم الناظر في هذه الترجدة كيف تكون تقلبات الدهر وتغيير الدولة بعد أن ينظر المتأمل في ترجدة الملك المنصور عثمان في السنة الخالية ولم يمض بين من سمي في تلك السنة وبين من سمي في هذه السنة إلا بعض أشهر لأن المنصور والأشرف هذا كلًا منهما ولي في هذه السنة أعني سنة سبع وخمسين وثمانمائة. وما قلناه في السنة الخالية معناه في ترجدة المنصور عثمان. على أنا لا نذكر إلا جماعة الأعيان لا غير ولو ذكرنا كل من تغير من أرباب الوظائف من الخاصكية والأجناد الذين أخذوا الإقطاعات والوظائف لطال الشرح في ذلك وخرجنا عن المقصود ولنعد إلى ما هو المقصود فنقول: أما الخليفة فهو القائم بأمر الله حمزة وهو المذكور أيضًا في السنة الخالية. وكذلك القضاة الأربعة فهم على حالهم كما ذكرناه في ترجدة المنصور أيضًا. وكذلك نواب البلاد الشامية فالجميع على حالهم كما ذكرناه في ترجدة المنصور أيضًا. وتغير نائب الإسكندرية فإنه كان في تلك السنة برسباي البجاسي والآن هو جانبك النوروزي. وأما أرباب الوظائف من أمراء مائة: فالأمير الكبير تنبك البردبكي الظاهري. وأمير سلاح خشقدم الناصري المؤيدي. وأمير مجلس طوخ من تمراز الناصري غليظ الرقبة. والأمير آخور الكبير جرباش المحمدي الناصري كرد. والدوادار الكبير يونس السيفي آقباي نائب الشام. ورأس نوبة النوب قرقماس الأشرفي الجلب. وحاجب الحجاب جانبك القرماني الظاهري. فهؤلاء هم أرباب الوظائف من مقدمي الألوف. وبقية مقدمي الألوف هم: المقام الشهابي أحمد ابن السلطان وهو يجلس رأس ميسرة فوق أمير سلاح. والأمير جانم الأمير آخور كان وهويجلس تحت أمير سلاح فوق بقية الأمراء. ثم خيربك إلاجرود المؤيدي. ثم برسباي البجاسي. فهؤلاء جميع مقدمي الألوف بالديار المصرية وهم أقل من النصف من أمراء الظاهر برقوق. وأما أرباب الوظائف من أمراء الطبلخانات وغيرهم: فشاد الشراب خاناه جانبك من قجماس الأشرفي المعروف بدوادار سيدي. والخازندار الكبير جانبك من أمير الأشرفي الظريف. ونائب القلعة قاني باي الناصري إلاعمش أمير عشرة. والزردكاش نوكار الناصري أمير عشرة والتجمل به هتكة. والحاجب الثاني بتخاص العثماني الظاهري برقوق أمير عشرة. وأستادار الصحبة يشبك الأشقر الأشرفي من جملة الأجناد. وكانت هذه الوظائف المذكورة في سالف إلاعصار لا يليها إلا أمير مائة مقدم ألف ولهذا قدمنا ذكرها على غيرها مما سنذكره فتنازل ملوك زماننا هذا حتى ولي بعضها الأجناد. وقد أبطل الملوك أيضًا عدة وظائف جليلة كان لا يليها إلا أمير مائة مقدم ألف مثل نيابة السلطنة لأن آخر من وليها من العظماء تمراز الناصري الظاهري في دولة الناصر فرج. ورأس نوبة الأمراء وآخر من وليها نوروز الحافظي في دولة الناصر فرج أيضًا وكانت هذه الوظيفة تضاهي الأتابكية. ومثل أمير جاندار فإن الأمير ألجاي اليوسفي صاحب الوقعة مع الأشرف شعبان انتقل إليها من وظيفة رأس نوبة النوب. وأما ما ذهب من الوظائف التي كان يليها امراء الطبلخانات والعشرات مثل شاد الدواوين وأمير منزل وشاد القصر السلطاني والمهمندار ومقدم البريدية وشاد العمائر وإن كان بعض هذه الوظائف مستمرة فإنه لا يليها إلا الأحداث من الناس بحيث إنها صارت كلا شيء. وقد خرجنا عن المقصود في نوع إلاستطراد ولنعد إلى ما كنا فيه. ورأس نوبة ثان يشبك الناصري. وتعد سبعة من طبلخانات رؤوس النوب. وأما العشرات من رؤوس النوب فكثير جدًا. وكان جميع رؤوس النوب في أوائل سلطنة برقوق أربعة لا غير ثم صاروا في دولة الناصر فرج بعد تجريدة الكرك سبعة فنقول: ما تجدد من كثرة رؤوس النوب يكون عوضًا عما ذهب من تلك الوظائف فيقول القائل: لا نسلم! وأين رونق تلك الوظائف المتعددة كثرة من رونق وظيفة واحدة! وكذلك كانت الحجاب ثلاثة: حاجب الحجاب وحاجب ميسرة وهو أيضًا مقدم ألف والحاجب الثالث. فأول من زادهم الظاهر برقوق وجعلهم خمسة حجاب أمراء عشرات لا هذه الحرافيش الذين يلونها اليوم الجهلة الفسقة. والدوادار الثاني تمراز الإينالي الأشرفي بإمرة عشرين وهو من مساوىء الدهر. والأمير آخور الثاني خيربك الأشقر المؤيدي أمير عشرين أيضًا. والزمام والخازندار الطواشي الرومي فيروز النوروزي أمير طبلخاناه. ومقدم المماليك السلطانية الطواشي لؤلؤ الرومي الأشرفي أمير عشرة. ونائبه عنبر عتيق التاجر نور الدين الطنبذي جنديًا بغير إمرة. ونقيب الجيش الأمير ناصر الدين محمد بن أبي فرج بعد أن ولي الأستادارية قبل تاريخه. ووالي القاهرة علي بن إسكندر ووليها بالبذل. أعيان مباشري الدولة من المتعممين كاتب السر محب الدين ابن الشحنة الحنفي. وناظر الجيش والخاص معًا عظيم الدولة الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم. والوزير سعد الدين فرج بن النحال. والأستادار علي البرددار بن الأهناسي. ووظيفة نظر الدولة ونظر المفرد كل منهما تلاشى أمرهما حتى صارت كلا شيء سكتنا عن ذكر ذلك لوضاعة قدر من يليها. قلت: ولو سكتنا عن ذكر من يلي الوزر أيضًا لكان أجمل غير أنه لا يسعنا إلا ذكرها لمحلها الرفيع في سائر الأقطار فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأما ذكر نظر الجوالي والإسطبل السلطاني والبيمارستان والكسوة وخزائن السلاح والخزانة الشريفة وأشباههم ليس لذكرهم هنا محل لكونهم في غير هذه الرتبة. وفي مثل هذا المحل لا يذكر إلا أعيان الوظائف المعدود أصحابها من ذوي الرياسات وقد ذكرنا تلك الوظائف كلها في تاريخنا الحوادث إذ هو محل ضبط الولايات والعزل انتهى. وفي يوم الأحد سادس محرم سنة ثمان وخمسين وثمانمائة ورد الخبر على السلطان من حلب بوفاة الأمير علي باي بن طرباي العجمي المؤيدي أتابك حلب فرسم السلطان باستقرار الأمير آقبردي الساقي الظاهري نائب قلعة حلب أتابكًا بحلب عوضه. واستقر في نيابة قلعة حلب الزيني قاسم بن جمعة القساسي وانعم بتقدمة قاسم المذكور وكان أخذها قبل ذلك عن سودون القرماني بمدة يسيرة على الأمير يشبك البجاسي. واستقر مكان يشبك البجاسي في دوادارية السلطان بدمشق خشكلدي الزيني عبد الرحمن بن الكويز. وفي يوم الاثنين حادي عشرين المحرم أيضًا وصل إلى القاهرة تقدمة الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب تشتمل على جماعة يسيرة من المماليك ومائة فرس لاغير. قلت: وهذا كثير ممن اشيع عنه العصيان ثم أظهر الطاعة في الظاهر والله متولي السرائر. وقد أوضحنا أمر قاني باي هذا في غير هذا المحل مع السلطان الملك الأشرف إينال بأوسع من هذا. ثم في صفر رسم بسفر الأمير زين الدين الأستادار إلى القدس بطالًا فلما خرج إلى ظاهر القاهرة قبض عليه واخذ إلى القلعة وصودر ثانيًا وعوقب ووقع له أمور آخرها أنه ولي الأستادارية مسؤولًا في ذلك في يوم الثلاثاء رابع عشر صفر وعزل علي بن الأهناسي. وفي يوم الثلاثاء سادس عشرين شهر ربيع الأول من سنة ثمان وخمسين المذكورة ركب السلطان الملك الأشرف إينال من قلعة الجبل بغير قماش الخدمة ونزل إلى جهة قبة النصر خارج القاهرة ثم عاد من باب النصر وشق القاهرة وخرج من باب زويلة حتى طلع إلى القلعة وهذا أول ركوبه من يوم تسلطن. وفي يوم الاثنين سادس عشر شهر ربيع الآخر ثارت فتنة بسوق الخيل بين المماليك الظاهرية جقمق وبين المماليك الأشرفية برسباي بالدبابيس وأصبح كل من الطائفتين مستعدة للأخرى فلم يقع شيء ولله الحمد وقد ذكرنا كيفية الفتنة المذكورة في تاريخنا الحوادث. وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه عزل السلطان لؤلؤ الأشرفي عن تقدمة المماليك السلطانية وأعاد إليها الطواشي مرجانًا المحمودي بمال أخذه من مرجان. وإلا فأيش هو الموجب لعزل الرئيس بالوضيع إلا هذا المعنى!. ثم في يوم الأحد سادس جمادى الأولى عزل السلطان تمراز الأشرفي عن الدوادارية الثانية لأمر اقتضى ذلك. وقد أراح الله الناس منه لسوء خلقه وحدة مزاجه وقد ذكرنا من أحواله نبذة كبيرة في غير هذا المحل. وفي يوم الخميس سابع عشر جمادى الأولى المذكورة وصل الأمير جلبان الأمير آخور نائب الشام إلى القاهرة بعد أن احتفل أرباب الدولة به وطلع إلى ملاقاته كل أحد حتى المقام الشهابي أحمد. وطلع إلى القلعة ودخل إلى السلطان بالقصر الأبلق المطل على الرميلة بالخرجة فلما رآه السلطان قام إليه واعتنقه بعد أن قبل جلبان الأرض بين يديه ثم أجلسه السلطان على ميسرته ولده المقام الشهابي أحمد. ولم يطل جلوسه حتى طلب السلطان خلعته و عليه خلعة إلاستمرار بنيابة دمشق على عادته في مكان جلوسه بالخرجة المذكورة ولم يقع ذلك لأحد من النواب لأن العادة أنه لا يخلع السلطان على من يخلع عليه إلا بالقصر الأبلق من داخل الخرجة. ثم قام السلطان وخرج إلى القصر ولم يدع جلبان المذكور أن يقف بل أمره أن يتوجه إلى حيث أنزله السلطان فنزل محمولًا لضعف به ولكبر سنه أيضًا ونزل غالب الأمراء الأكابر وأرباب الدولة بين يديه إلى أن أوصلوه إلى الميدان الكبير بطريق بولاق تجاه بركة الناصري ومد له مدة هائلة وترددت الناس إليه نهاره كله. واستمر إلى يوم الأحد عشرينه فقدم إلى السلطان تقدمة وكانت تقدمة هائلة تشتمل على: عشرة مماليك ومائتي فرس منها اثنان بقماش ذهب والباقي على العادة وعدة حمالين منها ستون حمإلا عليها قسي كل حمال خمسة أقواس ومنها مائة وعشرون حمإلا بعلبكيًا على كل حمال خمسة أثواب النصف منها عال موصلي وستون حمإلا عليها أبدان سنجاب وعشرة حمالين وشق وعدة حمالين عليها اثواب صوف ملونة وعدة حمالين عليها شقق حرير ملون واثواب مخمل تزيد على مائة حمال وطبق مغطى فيه ذهب مبلغ عشرة إلاف دينار على ما قيل. فقبل السلطان ذلك وخلع على أرباب وظائف جلبان المذكور خلعًا سنية وفرق السلطان من الخيول على أمراء الألوف جميعهم على قدر مراتبهم. وفي هذا الموم أيصًا رسم السلطان لنقيب الجيش أن يخرج الأمير تمراز الإينالي الأشرفي الدوادار الثاني إلى القدس بطالًا فنزل وتوجه به من يومه إلى خانقاه سرياقوس. قلت: السريع ما يفعل إلاعداء في جاهل ما يفعل الجاهل في نفسه فإن تمراز هذا كان في الدولة الظاهرية جقمق من جملة أمراء العشرات وكان ممن لا يؤبه إليه حتى مات الظاهر وثار مع الملك الأشرف إينال لما وثب على الملك المنصور عثمان مع من انضم إليه من المماليك الظاهرية والأشرفية وغيرهم. فلما تسلطن الأشرف قرب تمراز هذا وجعله دوادارًا ثانيًا وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه وصار له كلمة في الدولة وحرمة وافرة وهابته الناس لشراسة خلقه وحدة مزاجه وباشر الدوادارية أقبح مباشرة من الظلم والعسف والآخراق بالناس والبطش بحواشيه وأرباب وظائفه ومماليكه حتى تجاوز الحد وما كفاه ذلك حتى صار يخاطب السلطان بما يكره. وبقي في كل قليل يغضب ويعزل نفسه ووقع ذلك غير مرة. فلما زاد وخرج عن الحد عزله السلطان ولزم داره أيامًا ثم خرج إلى القدس بطالًا. وفي يوم الاثنين حادي عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على الصاحب أمين الدين بن الهيصم باستقراره وزيرًا على عادته أولًا بعد عزل فرج بن النحال وكان أحق بها وأهلًا لها. وفي يوم الاثنين هذا أيضًا خلع السلطان على مملوكه صهره الأمير بردبك الدوادار الثاني باستقراره فى الدوادارية الثانية عوضًا عن تمراز الأشرفي المقدم ذكره. وفي يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة استقر القاضي تاج الدين عبد الله بن المقسي كاتب المماليك السلطانية عوضًا عن الصاحب سعد الدين فرج بن النحال. قلت: وتاج الدين هذا مستحق لأعظم الوظائف لما اشتمل عليه من حسن الخلق والخلق. وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب سافر الأمير بردبك الدوادار الثاني إلى القدس الشريف وصحبته كسوة مقام سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام التي صنعها السلطان الملك الأشرف هذا. وخرج بردبك المذكور من القاهرة بتجمل زائد ومعه جماعة من الأعيان مثل القاضي شرف الدين الآنصاري ناظر الكسوة ووكيل بيت المال والسيفي شاهين الساقي وغيرهما. وفي يوم الخميس سادس شعبان وصل إلى القاهرة الأمير برشباي الإينالي المؤيدي أحد أمراء الطبلخانات المتوجه قبل تاريخه في الرسلية إلى ملك الروم السلطان محمد بن عثمان وعليه خلعة ابن عثمان المذكور وهو لابس لبس الأورام وخلعهم على العادة. وفيه رسم السلطان بتعويق جوامك أولاد الناس والمرتبين من الضعفاء وإلايتام على ديوان السلطان. وعرضهم السلطان في يوم الأحد ثالث عشرينه بالحوش السلطاني وقطع جوامك جماعة كبيرة. وبينما هو في ذلك وصل الأمير بردبك من القدس وحذر السلطان من الدعاء عليه ونهاه عن هذه الفعلة فانفعل له وترك كل واحد على حاله ونودي بذلك بشوارع القاهرة فعد من محاسن بردبك المذكور. وفي يوم السبت حادي عشر ذي القعدة اختفى الوزير أمين الدين بن الهيصم لعجز متحصل الدولة عن القيام بالكلف السلطانية فتغير السلطان بسبب ذلك على جماعة المباشرين. وقبض على الأمير زين الدين الأستادار في يوم الاثنين وحبسه بالقلعة وخلع على الأمير ناصرالدين محمد بن أبي فرج نقيب الجيش باستقراره في الأستادارية عوضًا عن زين الدين على كره منه في الوظيفة مضافًا إلى نقابة الجيش. وخلع على سعد الدين فرج بن النحال باستقراره وزيرًا على عادته وهذه ولاية فرج الثانية للوزر وأنعم عليه بكتابة المماليك وعزل القاضي تاج الدين المقسي. ثم في يوم الأربعاء خامس عشر ذي القعدة ضرب السلطان زين الدين الأستادار وألزمه بجملة كبيرة من المال فأخذ زين الدين في بيع قماش بدنه وأثاث بيته. ثم أخذه الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص وتسلمه من السلطان ونزل به إلى بيته فدام عنده أيامًا. ثم رسم له بالتوجه إلى داره وأنه يسافر إلى القدس فتجهز زين الدين وخرج إلى القدس في يوم الجمعة ثاني ذي الحجة. ثم في يوم الاثنين خامس ذي الحجة خلع السلطان على شخص من إلاقباط يعرف بشمس الدين نصر الله بن النجار واستقر به ناظر الدولة بعد شغورها مدة طويلة وصار رفيقًا للوزير فرج. وفي يوم الاثنين سادس عشرين ذي الحجة نزلت المماليك الجلبان الأشرفية من الأطباق وهجمت دار الأستادار الأمير ناصر الدين محمد بن أبي الفرج ونهبوا جميع ما كان له في داره من غير أمر أوجب ذلك فلم يسع الأستادار إلا إلاستعفاء فأعفي بعد أمور. وخلع السلطان على قاسم الكاشف بالغربية وغيرها بالأستادارية عوضًا عن ابن أبي الفرج المذكور. قلت: وهذا أول ظهور أمر مماليك الأشرف الجلبان وما سيأتي فأعظم.
|